8 يناير 2022/السبت
يحمل استمرار القتال الإسرائيلي/ الفلسطيني بين حين وآخر، فرصة لاستخلاص الدروس والعبر، وتفادي الأخطاء التي يقع فيها الجيش الإسرائيلي بين كل تصعيد وآخر، لاسيما في ضوء ما باتت تمتلكه الفصائل الفلسطينية من قدرات عسكرية وإمكانيات قتالية تشكل تحديا لآلة الحرب الإسرائيلية.
في الوقت الذي تشير فيه المعطيات الميدانية الإسرائيلية إلى أن عملية توجيه ضربات جوية إلى أهداف في قلب قطاع غزة يتخللها الكثير من الإجراءات، والمخاطرة الكبيرة، لأن الفصائل الفلسطينية باتت تحوز مضادات للطيران الإسرائيلي، وهو ما كشفت عنه خلال التصعيد الأخير قبل أيام، ما قد يعني أن أجواء غزة قد تصبح محظورة على الطيران الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى يطرح ذلك تساؤلات مهمة حول جدوى سلاح الجو وحده لتحقيق أهداف العدوان، مع تحييد باقي الأسلحة، لعدم قدرتها على خوض معركة برية مع المقاتلين الفلسطينيين.
وأضاف يوآف زيتون، أن “الشاشات الموجودة على الجدران فيها رسوم توضيحية لكل الأهداف المنتقاة، بعضها ثلاثية أبعاد، والبعض الآخر من زاوية جانبية، ويتم عرض واحدة تلو الأخرى بواسطة كاميرات خاصة، حيث يتم التخطيط في هذه الحالة لمهاجمة الجيش الإسرائيلي لهذه الأهداف خلال ساعات قليلة فقط، ويخضع كل موقع منها لعملية استكشاف نهائية، وتتاح الفرصة لكل الأجهزة والوحدات العسكرية للإدلاء بالتعليقات، خاصة إن كان المقصود ضرب منشآت لإنتاج الصواريخ، لاسيما مع رفع الفصائل الفلسطينية قدراتها الصاروخية، وتطويرها، خلال العام الماضي”.
وفي السياق ذاته قال الخبير العسكري، يوآف زيتون، في تقريره بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن “اتخاذ قرار بتنفيذ قصف جوي تجاه أي من الأهداف القتالية داخل غزة، يستغرق بضع ساعات، لكنه في الوقت ذاته يطرح شكوكاً كبيرة حول مدى القدرة على القضاء على الفصائل الفلسطينية من الجو فقط، وهو ما تعلمه جيداً غرفة التخطيط التي تتابع عن كثب عملية الهجوم التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية في رئاسة الأركان، حيث تجتمع مجموعة الضباط والجنود حول الطاولة تحاكي إجراءً لإعداد هدف لشن هجوم في قطاع غزة، كما فعلت مئات المرات في العام الماضي”.
بالعادة، تستغرق عملية قصف مواقع في غزة بضع ساعات، ويُطلب من الضباط والجنود الموجودين في “غرف العمليات” أن يتلقوا التعليمات استعداداً لخوض ساعة حرب صغيرة، وأي خطأ يرتكبونه قد يؤدي للتصعيد، فضلاً عن كون الجيش مهتما بمهاجمة وتدمير البنية التحتية، مثل مخارط صنع الصواريخ، وليس استهداف المسلحين الموجودين داخل الموقع، خشية من رد فعل الفصائل الفلسطينية، وهناك حالات استثنائية تتعلق بعدم قدرة الجيش على الوصول لبعض الأهداف على الأرض.
وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن تنفيذ أي حرب على غزة يشمل تنسيقاً بين وحدات الاستخبارات والنار والجو، ويتم تشغيل هذه الوحدات المشتركة في مقر القيادة بمدينة بئر السبع جنوباً، والغرض هو إنشاء بنك جديد للمواقع المستهدفة، من خلال التعرف عليها، واحدا تلو الآخر، وإحالة المعلومات من مصادر مختلفة، ومن جميع مجالات الذكاء البصري، والتنصت والجواسيس والمخابرات، ثم يتم الانتقال إلى التخطيط التشغيلي على أرض الواقع.
كما تؤكد الحروب الإسرائيلية أن أي قصف هو مسألة دقيقة للغاية، وعليه يجد الجيش نفسه مطالباً باستخلاص الدروس والعبر التي تعلمتها الفصائل الفلسطينية للدفاع عن نفسها خلال الهجوم القادم، لأن مقاتليها لديهم الكثير من الخبرة العسكرية، ويقومون بتحديث مكوناتهم المتغيرة.
من التحديات الإشكالية التي تواجه سلاح الجو الإسرائيلي في قصفه المتكرر لأهداف عسكرية أن قطاع غزة مساحته ضيقة، والبيوت مزدحمة، والمواقع متراصة، لكن المشكلة أمام الجيش أن غزة مكان يتغير بسرعة، وليس سهلا ضرب كل الأهداف المطلوبة بسبب قيود الطقس، أو الأنشطة العملياتية السرية الأخرى.
في الوقت ذاته، أشارت معطيات الحرب الأخيرة على غزة في أيار/ مايو، إلى وجود خلافات داخل الجيش حول التوقيت، والاستخدام المحدود لعنصر القوة، ولذلك تم إرسال القوات البرية قرب حدود شمال قطاع غزة، لمحاكاة بدء مناورة أرضية، لكنها فشلت، وبات يطلق عليها اسم “مترو ح.م.ا.س”، لأن النتيجة تمثلت في أن ح.م.ا.س لم تأكل “الطعم”، بعد أن كان الهدف تحدي ح.م.ا.س فيما يتعلق بالسلاح الأساسي الذي أعدته ضد الاحتلال، وهو شبكة، وإظهار أن الجيش يعرف مكانهم، وكيفية ضربهم جوا.
لقد جاء إطلاق الصاروخين على تل أبيب، الأسبوع الماضي، بمثابة تذكير بالصعوبة المستمرة التي تواجهها إسرائيل في ضرب صواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وسوف تستمر بإطلاقها لأجل غير مسمى على بئر السبع وأسدود وتل أبيب في الجولات الرئيسية، دون قدرة للجيش على استهدافها جميعا؛ لأن أفضل مجموعة صواريخ في غزة تتكون من طبقات مختلفة، يتم نشرها بشكل مختلف، وموزعة بطريقة قد تصيب جيش الاحتلال بالجنون.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط الكوكيز.