لماذا أنفق السيسي مليارات على الطرق والكباري؟
ماذا كان يقصد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” عندما أطلق جملته الشهيرة “هعمل شبكة طرق تمسك مصر “كده”، مشيراً بقبضة يده في إشارة إلى القوة والتماسك؟
ميشيل فوكو، الفيلسوف الفرنسي أجاب عن هذا السؤال في كتابه “المراقبة والعقاب” الذي أسس فيه لمفهوم السلطة بأنها “إستراتيجية لا تعود إلى امتلاك ما، وإنما إلى حيل ومناورات وتدابير وتقنيات وتكتيكات”.
كل شيء في مشروعات رئيس النظام المصري السيسي، يتمحور حول السلطة الممثلة في شخص الجنرال الممسك بتلابيب الحكم بيد من حديد، فالخدمات والمشروعات، تأتي في سياق تدابير وتكتيكات لحماية المنظومة السلطوية وترسيخ مركزيتها.
تساؤلات كثيرة أثيرت عن جدوى تلك الكباري التي باتت تغرق القاهرة، وتكلف الدولة ميزانيات ضخمة في ظل معاناة اقتصادية وأزمات كالسيل دفعت الحكومة للحصول على قروض ومساعدات خارجية.
إنفاق بالمليارات
أشارت الأرقام إلى أن حجم الأموال التي أنفقت على مشروعات الطرق الجديدة منذ سيطرة عبد الفتاح السيسي على حكم جمهورية مصر العربية في يونيو/ حزيران 2014، بلغت نحو 305 مليارات جنيه، استحوذت شبكة الطرق على 175 مليار جنيه، بإجمالي أطوال بلغت 7 آلاف كيلومتر، تم الانتهاء من 4.5 آلاف كلم.
وأنشأت حكومة السيسي أكثر من 600 كوبري ونحو 21 محورا جديدة بتكلفة تقدر بنحو 85 مليار جنية (5.3 مليار دولار)، بحسب االصحف المصرية الرسمية.
ووفق الصحف، تم إنشاء 21 محوراً وجسراً على نهر “النيل” بتكلفة 30 مليار جنيه مصري، كما تم تطوير وصيانة ورفع كفاءة 5 آلاف كلم من شبكة الطرق القديمة بقيمة 15 مليار جنيه.
وفي أغسطس/آب 2020، صرح وزير النقل والمواصلات خلال افتتاحه بعض المشروعات أن التكلفة الإجمالية قد تتجاوز 1.1 تريليون جنيه حتى عام 2024، تشمل الطرق والسكك الحديدية والنقل البحري والموانئ.
وتفصيلا وفق الوزير النقل والمواصلات، شملت التكلفة 377 مليار جنيه للطرق والجسور، و142 مليار جنيه للسكك الحديدية، و512 مليار جنيه للأنفاق والجر الكهربائي، و49.5 مليار جنيه للنقل البحري، و14.6 مليار جنيه للموانئ البرية والجافة، و2 مليار جنيه للنقل النهري.
صفى الدين حامد انشاء الكباري ليس مخططا عمرانيا، بل مخطط عسكري وتبديد للموارد
اعتبر صفي الدين حامد أستاذ التخطيط الإستراتيجي المصري شبكة الطرق القومية للسيسي بأنها “مخطط عسكري”، قائلا في تصريحات صحفية: “أي خبير في التخطيط القومي عامة، وتخطيط النقل خاصة، غالباً يستنتج أن هذا الذي يتم على الأرض في مصر ليس مخططا عمرانيا، بل مخطط عسكري”.
و أكد أن ما يجري هو “تبديد للموارد المالية والبشرية المصرية، وضياع الجهد ومواد البناء في المكان والزمان والهدف الخطأ، مضيفا: “لكن هذه إرادة من يحتل مصر (على خد تعبيره) ويمتلك إرادة شعبها للأسف”.
هوس عبد الفتاح السيسي بإنشاء الكباري يوجه تحديدا داخل زمام القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، خاصة المواقع المحورية والحيوية فيها، حيث تتم التضحية بالمعالم التاريخية للمدينة، مثلما فعل بهدم مقابر أثرية في “شرق القاهرة”، يعود عمرها لعصر المماليك، لإنشاء محور ((الفردوس)) لربط شرق القاهرة بغربها.
أغلب هذه الكباري والطرق تقام في بمناطق إستراتيجية بمحافظة الجيزة، بالقرب من ميدان الجيزة في قلب المدينة، وكذلك جامعة القاهرة، وهي نفسها التي شهدت بداية اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كما شاركت بمظاهرات ومسيرات كبرى اعتراضاً على الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.
قال الباحث المصري المتخصص في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، لـ”الاستقلال”: “لا شك تعتبر المدن والأماكن العشوائية المكتظة بالسكان صعبة السيطرة في حال اندلاع ثورات أو انتفاضات ضد الأنظمة، بعكس المدن الجديدة، القائمة على مساحات كبيرة ومفتوحة، وشبكة طرق واضحة تسهل من انتقال قوات الجيش والمدرعات في وقت قصير”.
وذكر مولانا: أن “مشروعات النظام المصري الخاصة بتأسيس “”الكباري”” في قلب العاصمة المصرية، لا تنفك بحال عن الخطط الأمنية للسيطرة ضد الثورات والهبات الشعبية، حيث أن الطرق الدائرية والمحور والكباري تساعد في انتقال الجيش والوصول إلى نقاط الاشتباك بأقصى سرعة ممكنة”.
وأضاف الباحث المصري: ” عبد الفتاح السيسي ” اعتمد مجموعة من الإستراتيجيات كوسائل لتعزيز السيطرة فيما يتعلق بشبكات الطرق وتخطيط المدن، حيث قام بنقل مؤسساته الأمنية بعيداً عن وسط العاصمة إلى المدن الجديدة”.
كذلك قام بنقل جهاز الأمن الوطني المعروف ب(أمن الدولة)، إلى منطقة التجمع الخامس بجوار أكاديمية الشرطة، وكذلك نقل مبنى وزارة الداخلية، وعدد من التمركزات الأمنية، وبالتالي والهدف أن تكون تلك القوات والأجهزة مهيأة للدخول بسرعة إلى أي مكان في القاهرة في حالة الطوارئ، وفق مولانا.
وأردف قائلاً: “الأنظمة المستبدة عندما تدشن بعض المشاريع التنموية، مثل شبكات الطرق والكهرباء والمياه، لا تهدف إلى خدمة المواطن، وإنما إلى مركزية السلطة، ومزيد من الإخضاع للمواطنين”.
إختتم مولانا حديثه بالقول: “على سبيل المثال إذا خرجت مدينة أو منطقة عن السيطرة، تقوم السلطات بقطع تلك الخدمات عنها حتى ترضخ ويسهل إخضاعها مرة أخرى، لذلك نجد أن الجيش في مصر توغل على مؤسسات الخدمات الحكومية، وبسط هيمنته على مشروعات المياه والطاقة، بالإضافة إلى شبكات الطرق والكباري في سائر أنحاء البلاد”.
ثكنة عسكرية
ويرى الباحث السياسي المصري محمد ماهر أن “مركزية الدولة المصرية، واستقرار نظامها البيروقراطي في قلب القاهرة، كان سلاحا ذو حدين مع الأنظمة، حيث ساهم في زيادة سيطرة الحاكم عبر عقود طويلة، وصعوبة إسقاط النظام إذا اشتعلت ثورة كبرى في سائر المدن، فهو يكفيه السيطرة على القاهرة وحدها التي تضم سائر مؤسسات الدولة”.
وأضاف ماهر لـصحيفة”الاستقلال”: “يوم 16 أغسطس 2013، عقب فض رابعة بيومين، اشتعلت المظاهرات في سائر المحافظات، وخرجت بعضها عن السيطرة مثل (بني سويف والإسماعيلية)، لكن بقيت “القاهرة”، تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، لتصعب عملية التغيير”.
وختم ماهر كلامه متسائلاً: “أيهما أكثر أهمية كوبري أم تأسيس مستشفى؟ لذلك وبلا مواربة فالقاهرة الآن رهينة نظام أمني يكتب تاريخ جديد بمحو معالمها وتشويه صورتها، والأجيال القادمة ستستلم شبح مدينة عريقة، أفسدها حكم العسكر”.
المصدر: صحيفة الاستقلال
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط الكوكيز.