قطاع غزة

مجلة أمريكية: “حماس تنتصر”.. هكذا جعلت استراتيجية “إسرائيل” الفاشلة بالحرب الحركة أقوى مما كانت عليه

مجلة أمريكية: “حماس تنتصر”.. هكذا جعلت استراتيجية “إسرائيل” الفاشلة بالحرب الحركة أقوى مما كانت عليه

22 يونيو 2024

لم تَهْزم 9 أشهر من العمليات القتالية الجوية والبرية الإسرائيلية الحركة في غزة، بل إن إسرائيل ليست حتى قريبة من هزيمة الحركة.

وعلى العكس من ذلك، أصبحت حماس اليوم أقوى مما كانت عليه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هذا ما كتبته مجلة foreign affairs الأمريكية.

ومنذ هجوم طوفان الاقصى الذي اطلقته حماس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غزا الجيش الإسرائيلي شمال وجنوب غزة بحوالي 40 ألف جندي مقاتل، وهجرت 80% من السكان قسراً داخل القطاع، وقتلت أكثر من 37 ألف إنسان معظمهم مدنيون، وأسقطت ما لا يقل عن 70 ألف طن من القنابل على القطاع، (وهو ما يتجاوز الوزن الإجمالي للقنابل التي تم إسقاطها على لندن ودريسدن وهامبورغ طوال الحرب العالمية الثانية)، دمرت إسرائيل أو ألحقت أضراراً بالغة بأكثر من ثلثي المباني في غزة، وقيدت وصول القطاع إلى المياه والغذاء والكهرباء، ما ترك السكان بالكامل في حالة مجاعة غير مسبوقة.

ورغم أن العالم يرى عدم أخلاقية الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب، ورغم تهم الإبادة الجماعية التي تلاحقها، فإن زعماء إسرائيل ظلوا يزعمون على الدوام أن هدف هزيمة حماس وإضعاف قدرتها على شن هجمات جديدة ضد الإسرائيليين لابد أن تكون له الأسبقية على أية مخاوف بشأن حياة الفلسطينيين، ويجب على العالم قبول معاقبة سكان غزة باعتبار ذلك ضرورياً لتدمير قوة حماس!

استراتيجية “إسرائيل” الفاشلة في الحرب تجعل حركة حماس أقوى

لكن ما يحدث اليوم، وبفضل الهجوم الإسرائيلي، فإن قوة حركة حماس آخذة في النمو فعلياً بحسب ما جاء عن “فورين أفيرز”. وكما ازدادت قوة “الفيت كونغ” (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) خلال عمليات “البحث والتدمير” الضخمة التي اجتاحت معظم أنحاء فيتنام الجنوبية في عامي 1966 و1967 عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى البلاد في محاولة غير مجدية لتحويل مسار الحرب لصالحها، فإن حماس لا تزال قائمة وقوية.

لقد تطورت هذه الحركة إلى قوة “عصابات مسلحة” عنيدة ومميتة في غزة، مع استئناف العمليات البرية في المناطق الشمالية التي كان من المفترض أن إسرائيل قامت بالسيطرة عليها قبل بضعة أشهر فقط كما زعمت.

تقول المجلة الأمريكية “فورين أفيرز” إن الخلل الرئيسي في استراتيجية إسرائيل ليس بالضرورة فشل التكتيكات أو فرض قيود على القوة العسكرية لحماس، بل إن الفشل الذريع كان عبارة عن سوء فهم فادح لمصادر قوة حماس. ومما ألحق ضرراً كبيراً بإسرائيل أنها فشلت في إدراك أن المذبحة والدمار الذي ارتكبته في غزة لم يؤدّ إلا إلى زيادة قوة حماس.

ولعدة أشهر، ركز المحللون الإسرائيليون والعسكريون إهتمامهم على عدد مقاتلي حماس الذين تزعم القوات الإسرائيلية قتلهم، كما لو كانت هذه الإحصائية هي المقياس الأكثر أهمية لنجاح الحملة الإسرائيلية ضد الحركة.

ومن المؤكد أن العديد من مقاتلي حماس قد قُتلوا، حيث تشير مصادر استخباراتية أمريكية إلى أن العدد الحقيقي لقتلى حماس يبلغ نحو 10 آلاف مقاتل.

ما سر قوة حماس؟

مع ذلك، فإن التركيز على هذه الأرقام يجعل من الصعب إجراء تقييم حقيقي لقوة الحركة في غزة. فعلى الرغم من تدمير غزة والحديث عن تقويض قدرات الحركة، إلا أنها ما زالت تسيطر فعلياً على مساحات واسعة من غزة وتهاجم القوات الإسرائيلية المتوغلة في القطاع من الشمال وحتى الجنوب.

ولا تزال الحركة تتمتع بدعم هائل من سكان غزة الذين يمثلون حاضنتها الشعبية ويؤمنون بها كفكرة ومنهج. والآن يسهل على المقاتلين الظهور بسهولة في المناطق التي تقول إسرائيل إنها “طهرتها” سابقاً.

ووفقاً لتقييم إسرائيلي حديث، أصبح لدى حركة حماس الآن عدد أكبر من المقاتلين في المناطق الشمالية من غزة، التي تكبد فيها الجيش الإسرائيلي مئات الجنود بين جريح وقتيل من أجل فرض سيطرته عليها.


وتشن حماس الآن حرب عصابات، تنطوي على نصب كمائن وقنابل محلية الصنع، أو أخرى مصنوعة من ذخائر غير منفجرة أطلقها الجيش الإسرائيلي، وهي عمليات مطولة قال مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً إنها قد تستمر حتى نهاية عام 2024 على الأقل، ولا يزال بإمكانها ضرب إسرائيل وتهديدها. 

ووفقا لمصادر “فورين أفيرز” من المرجح أن لدى حماس نحو 15 ألف مقاتل معبأ على الأرض، أي ما يقرب من عشرة أضعاف عدد المقاتلين الذين نفذوا هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. علاوة على ذلك، لا يزال أكثر من 80% من شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة للتنظيم صالحة للاستخدام في التخطيط وتخزين الأسلحة والتهرب من المراقبة والاحتفاظ بالأسرى وشن هجمات على القوات الإسرائيلية.

ولا تزال أغلب القيادات العليا لحماس في غزة على حالها. 

خلاصة القول، إن الهجوم الإسرائيلي السريع في الخريف قد أفسح المجال لحرب استنزاف طاحنة من شأنها أن تترك لحماس القدرة على مهاجمة الإسرائيليين حتى لو واصل الجيش الإسرائيلي حملته في جنوب غزة لفترات أطول.

وغالباً ما كانت “عمليات مكافحة التمرد” الفاشلة في الماضي تركز على أعداد القتلى من الأعداء.

ويشارك الجيش الإسرائيلي الآن في لعبة “اضرب الخلد” المألوفة التي أعاقت القوات الأمريكية في أفغانستان لـ20 عاماً وانتهت بانتصار حركة طالبان وانسحاب الجيش الأمريكي. 

إن الاهتمام الاستعبادي بأعداد القتلى يميل إلى الخلط بين النجاح التكتيكي والاستراتيجي، ويتجاهل التدابير الرئيسية التي من شأنها أن تظهر ما إذا كانت القوة الاستراتيجية للخصم تنمو حتى مع تزايد الخسائر المباشرة للمجموعة. بالنسبة للجماعة المسلحة، المصدر الرئيسي للقوة ليس حجم الجيل الحالي من المقاتلين، بل قدرتها على كسب المؤيدين من المجتمع المحلي في الماضي والحاضر والمستقبل.

إن قوة حركة مقاومة مسلحة مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول، بما في ذلك حجم اقتصادها، والتطور التكنولوجي لجيوشها، ومدى الدعم الخارجي الذي تتمتع به، والقوة العسكرية التي تتمتع بها، وقوة أنظمتهم التعليمية.


وبدلا من ذلك، فإن المصدر الأكثر أهمية لقوة حماس وغيرها هو القدرة على التجنيد، وخاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والناشطين الذين يؤمنون بها، ومستعدين للموت من أجل هذه القضية. وهذه القدرة على التجنيد والإيمان في الفكرة متجذرة في عامل واحد: حجم وشدة الدعم الذي تستمده الحركة من مجتمعها.

حماس قادرة على تجديد صفوفها في كل مرة
إن دعم الحاضنة الشعبية يسمح للحركات المشابهة لحماس بتجديد صفوفها، واكتساب الموارد، وتجنب الكشف عنها، وبشكل عام، الحصول على مزيد من الموارد البشرية والمادية اللازمة لتعبئة ومواصلة العمليات المسلحة القاتلة

ولأن أفراد المجتمع متضررون جداً من إسرائيل وغاضبون لتدمير منازلهم أو فقدان أفراد من عائلاتهم أو أصدقائهم أو سلب أرضهم، يبحث هؤلاء عن الانتقام لأنفسهم في الانضمام إلى جهات مثل حماس، التي أثبتت أنها قادرة على الولادة في كل مرة تعرضت فيها لضربات عنيفة من قبل إسرائيل. 

والأهم من ذلك، أن دعم المجتمع ضروري لتعزيز ثقافة الاستشهاد، حيث إن المجتمع الذي يكرم المقاتلين من أبناء الحركة الذين سقطوا خلال قتال عدوهم يساعد في الحفاظ عليها؛ والاستشهاد يضفي الشرعية على الأعمال القتالية ويشجع المجندين الجدد على الانضمام. وتضحية الفرد تحظى بمكانة عالية بين الفلسطينيين.

وليس من المستغرب أن تبذل حركات مثل حماس جهوداً كبيرة لكسب ود المجتمعات المحلية التي تنتمي إليها.

ومن خلال الاندماج في المؤسسات الاجتماعية، مثل المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والتجمعات الدينية، تصبح الجماعات جزءاً من نسيج المجتمعات، وأكثر قدرة على كسب المزيد من المجندين ودعم غير المقاتلين.

على سبيل المثال، ازدهر حزب الله بسبب الدعم الشعبي المتزايد بين الشيعة خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان من عام 1982 إلى عام 1999، وتطور من جماعة سرية صغيرة إلى حزب سياسي رئيسي يضم جناحاً مسلحاً يضم عشرات آلاف المقاتلين المستعدين للتضحية. وكان الدعم المجتمعي القوي هو الدافع وراء العمليات العسكرية طويلة الأمد لنمور التاميل في سريلانكا، و”الدرب الساطع” في بيرو، وطالبان في أفغانستان.

ويمكن أن يكون فقدان دعم المجتمع أمراً مدمراً للجماعات المسلحة وحركات التحرر. وفي أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ارتفع عدد المقاتلين لدى السّنة من 5000 في ربيع 2004 إلى 20 ألفاً بحلول خريف عام 2004، ثم إلى 30 ألفاً في فبراير/شباط 2007، وفقاً للتقديرات الأمريكية. 

حرب قلوب وعقول

وتساعد هذه الديناميكيات في تفسير بقاء حماس في السلطة في حربها مع إسرائيل. ولتقييم القوة الحقيقية للجماعة، يجب على المحللين أن يأخذوا في الاعتبار الأبعاد المختلفة للدعم الذي تحظى به بين الفلسطينيين، وهو كبير ويضاهي شعبية السلطة الفلسطينية أضعافاً. إن هذه العوامل، أكثر من العوامل المادية، توفر أفضل مقياس لقدرة حماس على القيام بحملات مسلحة طويلة الأمد ضد إسرائيل، بحسب المجلة الأمريكية.

شارك
العلامات: غزة