“اليوم، أقدم طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر قبض فيما يتصل بالحالة في دولة فلسطين.
يحيى السنوار، ومحمد دياب إبراهيم المصري (ضيف)، وإسماعيل هنية
استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن يحيى السنوار (رئيس حركة المقاومة الإسلامية (’’حماس‘‘) في قطاع غزة)، ومحمد دياب إبراهيم المصري، المشهور باسم ضيف (القائد الأعلى للجناح العسكري لحماس، المعروف باسم كتائب القسام)، وإسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحماس) يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية المرتكبة في أراضي إسرائيل ودولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 على الأقل:
الإبادة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ب) من نظام روما الأساسي؛
والقتل العمد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (أ)، وباعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)؛
وأخذ الرهائن باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (3)؛
والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ج)، وباعتباره أيضا جريمة حرب عملا بالمادة 8 (2) (ه) (6) في سياق الأَسر؛
والتعذيب باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (و)، وباعتباره أيضا جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأَسر؛
وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ك)، في سياق الأَسر؛
والمعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأسر؛
والاعتداء على كرامة الشخص باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (2)، في سياق الأَسر.
ويدفع مكتبي بأن جرائم الحرب المـُدّعى بها في هذه الطلبات ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس دائرين بالتوازي. وندفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتكبتها حماس وجماعات مسلحة أخرى في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين في إسرائيل عملا بسياسات التنظيم. وبعض هذه الجرائم مستمرة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا.
ويدفع مكتبي بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن السنوار وضيف وهنية يتحملون المسؤولية الجنائية عن مقتل مئات من المدنيين الإسرائيليين في هجمات ارتكبتها حماس (ولا سيما جناحها العسكري، كتائب القسام) وجماعات مسلحة أخرى في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 وأخذ ما لا يقل عن 245 من الرهائن. وفي إطار تحقيقاتنا، أجرى مكتبي مقابلات مع مجني عليهم وناجين، من بينهم رهائن سابقون وشهود عيان في ستة مواقع رئيسية شهدت الهجمات، وهي: كفر عزة، وحوليت، وموقع مهرجان سوبرنوفا الموسيقي، وبئيري، ونير عوز، ونحال عوز. ويعتمد التحقيق أيضا على أدلة من قبيل تسجيلات الدوائر التلفزيونية المغلقة، ومواد مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ثبتت صحتها، وبيانات أدلى بها أعضاء من حماس بأنفسهم، ومن بينهم من يُدّعى بارتكابهم الجرائم المتقدم ذكر أسمائهم، وشهادة الخبراء.
ويرى مكتبي أن هؤلاء الأشخاص خططوا لارتكاب الجرائم في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 وحرضوا على ارتكابها، كما أنهم بأفعالهم، التي شملت زيارات أجروها بأنفسهم إلى الرهائن بُعَيد اختطافهم، أقروا بتحملهم المسؤولية عن هذه الجرائم. وندفع بأن هذه الجرائم ما كان لها أن تُرتكب لولا أفعالهم. ويُوَجه الاتهام إليهم باعتبارهم مشاركين في ارتكاب الجرائم وباعتبارهم رؤساء عملا بالمادتين 25 و28 من نظام روما الأساسي.
وفي أثناء الزيارة التي أجريتُها بنفسي إلى كيبوتس بئيري وكيبوتس كفر عزة، وكذلك إلى موقع مهرجان سوبرنوفا الموسيقي في رعيم، شاهدتُ مشاهد الدمار التي خلفتها هذه الهجمات والأثر البالغ الذي أحدثته هذه الجرائم التي يأباها الضمير والتي وُجِّه الاتهام بارتكابها في الطلبات المقدمة اليوم. وفي حديثي مع الناجين، سمعتُ كيف أن الحب بين أفراد الأسرة، وأعمق الأواصر التي تجمع بين الآباء والأبناء، شوّهتِ بغية إلحاق الألم بالناس بقسوة مدروسة وغلظة مفرطة بشكل لا سبيل لاستيعابه. وهذه الأفعال تستوجب المساءلة.
ويدفع مكتبي أيضا بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الرهائن الذين أُخِذوا من إسرائيل قد احتُجزوا في ظروف لاإنسانية وأن بعضهم تعرض للعنف الجنسي، بما ذلك الاغتصاب، وهم قيد الأسر. وقد خلصنا إلى هذا الاستنتاج بناء على سجلات طبية، وتسجيلات مرئية ومستندات من الفترة الزمنية ذاتها، ومقابلات مع المجني عليهم والناجين. ويواصل مكتبي أيضا التحقيق في التقارير التي تفيد بارتكاب أعمال عنف جنسي في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر.
وأود أن أعرب عن امتناني للناجين وأسر المجني عليهم في هجمات السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، لأنهم تحلوا بالشجاعة وتقدموا للأدلاء بشاهداتهم لمكتبي. وما زلنا نركز على تعميق تحقيقاتنا بشأن جميع الجرائم التي ارتُكِبت في إطار هذه الهجمات وسنواصل العمل مع كل الشركاء لضمان تحقيق العدالة.
وأكرر مطالبتي بالإفراج الفوري عن كل الأسرى الذين أُخذوا من إسرائيل وبرجوعهم سالمين إلى أُسرهم. وهذا شرط أساسي يقتضيه القانون الدولي الإنساني.
بنيامين نتنياهو، ويوآف غالانت
استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع في إسرائيل، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 على الأقل:
تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (25) من نظام روما الأساسي؛
وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (3) أو المعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)؛
والقتل العمد بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (1)، أو القتل باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)؛
وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (1)، أو المادة 8 (2) (ه) (1)؛
والإبادة و/أو القتل العمد بما يخالف المادتين 7 (1) (ب) و7 (1) (أ)، بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع، باعتباره جريمة ضد الإنسانية؛
والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ح)؛
وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ك).
ويدفع مكتبي بأن جرائم الحرب المـُدّعى بها في هذه الطلبات قد ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس (بالإضافة إلى جماعات مسلحة فلسطينية أخرى) دائرين بالتوازي. وندفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتُكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة. وهذه الجرائم مستمرة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا.
ويدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يـُدَّعى بأنها ارتكبت الجرائم، تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني.
وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون، اعتبارا من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 ولفترات مطوّلة ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية – بما في ذلك الطعام والدواء – من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة – وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون – لفترة طويلة بدأت من التاسع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023؛ وقطع إمدادات الكهرباء ومنعها اعتبارا من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 عل الأقل وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها.
ويدفع مكتبي بأن هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل.
إن استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، مقرونا بهجمات أخرى وبالعقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة، كانت له آثار حادة وظاهرة للعيان ومعروفة على نطاق واسع، وقد أكدها شهود عديدون أجرى مكتبي مقابلات معهم، ومن بينهم أطباء محليون ودوليون. وشملت هذه الآثار سوء التغذية والجفاف والمعاناة البالغة وتزايد أعداد الوفيات بين السكان الفلسطينيين، ومن بينهم الأطفال الرضع، والأطفال الآخرون، والنساء.
وقد ظهرت المجاعة في بعض مناطق من غزة وأوشكت على الظهور في مناطق أخرى. وكما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ أكثر من شهرين: ’’يواجه 1.1 مليون إنسان في غزة الجوع على نحو كارثي – وهو أعلى رقم من الناس سبق تسجيله – في أي مكان وفي أي زمان‘‘ وذلك نتيجة لـ’’كارثة لم يصنعها سوى البشر‘‘. واليوم، يسعى مكتبي إلى توجيه الاتهام إلى اثنين من الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية، وهما نتنياهو وغالانت، لمشاركتهما في ارتكاب الجرائم ولكونهما رئيسين عملا بالمادتين 25 و28 من نظام روما الأساسي.
ولإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها، شأنها في ذلك شأن الدول كلها. إلا أن هذا الحق لا يُعفي إسرائيل أو أي دولة من التزامها بالانصياع للقانون الدولي الإنساني. وبغض النظر عن أي أهداف عسكرية قد تكون لدى إسرائيل، فإن الأساليب التي اختارتها لتحقيق هذه الأهداف في غزة – وهي تعمد التسبب في الموت والتجويع والمعاناة الشديدة وإلحاق الإصابات الخطيرة بالجسم أو بالصحة بالسكان المدنيين – تُعدّ أساليب إجرامية.
وقد أكدتُ منذ العام الماضي، من رام الله ومن القاهرة ومن إسرائيل ومن رفح، تأكيدا ثابتا على أن القانون الدولي الإنساني يستوجب أن تتخذ إسرائيل إجراء عاجلا للسماح الفوري بدخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأكدتُ خصوصا على أن استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والحرمان من الإغاثة الإنسانية يشكلان أفعالا جرمية بموجب نظام روما الأساسي. وقد كنتُ واضحا بما فيه الكفاية.
وكما أكدتُ مرارا في بياناتي العلنية كذلك، إن الذين لا ينصاعون للقانون ينبغي ألا يضجوا بعدئذ بالشكوى عندما يتخذ مكتبي إجراءات. وقد آن الأوان لذلك.
إن مكتبي بتقديمه هذه الطلبات لإصدار أوامر قبض يتصرف عملا بولايته بموجب نظام روما الأساسي. ففي الخامس من شباط/فبراير 2021، قررت الدائرة التمهيدية الأولى أن المحكمة تستطيع ممارسة اختصاصها الجنائي في الحالة في دولة فلسطين وأن النطاق المكاني لذلك الاختصاص يشمل غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وهذه الولاية سارية وتشمل تصعيد الأعمال العدائية والعنف منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. ولمكتبي أيضا الاختصاص فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها رعايا الدول الأطراف ورعايا الدول غير الأطراف على أراضي دولة من الدول الأطراف.
وتُعدّ الطلبات المقدمة اليوم نتاجا للتحقيق المستقل والمحايد الذي يجريه مكتبي. وقد عمل مكتبي باجتهاد ليفصل بين الادعاءات والحقائق، وليقدم الاستنتاجات باتزان إلى الدائرة التمهيدية استنادا إلى الأدلة، مسترشدا بالتزامنا بالتحقيق في أدلة التجريم والتبرئة على حد سواء.
وأنا ممتن كذلك لنصيحة من لجنة من الخبراء في القانون الدولي، كإجراء احترازي إضافي، وهم مجموعة من الخبراء المحايدين الذين جمعتُهم لتقديم الدعم في مراجعة الأدلة والتحليل القانوني فيما يتصل بطلبات إصدار أوامر القبض هذه. وتتألف اللجنة من خبراء ذوي مكانة رفيعة في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، ومن بينهم السير أدريان فولفورد الحائز على شهادة ’’بي سي‘‘، وهو مستشار محكمة الاستئناف سابقا والقاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية؛ والبارونة هيلينا كينيدي الحاصلة على لقب ’’كي سي‘‘، وهي رئيسة معهد حقوق الإنسان التابع لنقابة المحامين الدولية؛ وإليزابيث ويلمشورست الحاصلة على لقب ’’سي إم جي‘‘ ولقب ’’كي سي‘‘، وهي نائبة المستشار القانوني لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية سابقا؛ وداني فريدمان الحاصل على لقب ’’كي سي‘‘؛ واثنان من مستشاريّ الخاصين – وهما أمل كلوني وسعادة القاضي ثيودور ميرون الحاصل على لقب ’’سي إم جي‘‘. وقد أيّد هذا التحليل المستقل الذي قدمه الخبراء الطلبات التي قدمها مكتبي اليوم وعززها. وأنا ممتن أيضا لما قدمه عدد من مستشاريّ الخاصين الآخرين من إسهامات في هذه المراجعة، ولا سيما أداما ديينغ والأستاذ الدكتور كيفين جون هيلر.
واليوم نؤكد مرة أخرى على أن القانون الدولي وقوانين النزاعات المسلحة تنطبق على الجميع. وليس لجندي من المشاة أو لقائد أو لزعيم مدني – أو لأي شخص – أن يفلت من العقاب على تصرفاته. ولا يمكن تبرير تعمد حرمان البشر، بمن فيهم كثير جدا من النساء والأطفال، من الضروريات الأساسية اللازمة للحياة. ولا يمكن تبرير أخذ الرهائن أو استهداف المدنيين.
ولقضاة المحكمة الجنائية الدولية المستقلين وحدهم الحكم فيما إذا كان المعيار اللازم لإصدار أوامر قبض قد استوفي. فإن وافقوا على طلباتي وأصدروا الأوامر المطلوبة، سأعمل حينئذ عن كثب مع مسجل المحكمة باذلا كل جهدي للقبض على الأفراد المذكورة أسماؤهم. وأعوّل على كل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في أن يتعاملوا مع هذه الطلبات والقرار القضائي الذي سيترتب عليها بالجدية نفسها التي أبدوها في الحالات الأخرى، وأن يوفوا بالتزاماتهم بموجب النظام الأساسي.
وأقف كذلك على أهبة الاستعداد للعمل مع الدول غير الأطراف في سعينا المشترك نحو تحقيق المساءلة.
ومن الحاسم الآن أن يُسمح لمكتبي ولكل أجزاء المحكمة، بمن فيهم قضاتها المستقلون، بالاضطلاع بعملهم باستقلال تام وحيادية تامة. وأصر على الإيقاف الفوري لكل محاولات عرقلة مسؤولي هذه المحكمة أو إرهابهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق. ولن يتردد مكتبي في التصرف عملا بالمادة 70 من نظام روما الأساسي إذا استمر هذا السلوك.
وما زلت أشعر بالقلق العميق إزاء الجرائم الدولية المستمرة، وما يظهر من الأدلة عليها، التي يُدّعى بارتكابها في إسرائيل وغزة والضفة الغربية. وسيستمر تحقيقنا. ويعزز مكتبي عدة مسارات إضافية ومترابطة للتحقيق بشأن جملة أمور من بينها ما ورد من وقوع عنف جنسي في خلال الهجمات التي شُنّت في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر وفيما يتعلق بالقصف واسع النطاق الذي تسبب، وما زال يتسبب، في قتل وإصابة أعداد كبيرة جدا من المدنيين، وفي معاناتهم، في غزة. وأحث أولئك الذين لديهم معلومات ذات صلة على الاتصال بمكتبي وتقديم المعلومات عبر رابط مكتب المدعي العام (’’OTP Link‘‘).
ولن يتردد مكتبي في تقديم المزيد من طلبات إصدار أوامر القبض إذا ارتأينا استيفاء الحد الأدنى لإمكانية الإدانة استيفاءً واقعيا. وأجدد مناشدتي لجميع الأطراف في النزاع الدائر بأن يمتثلوا للقانون الآن.
وأود أن أؤكد أيضا على أن مكتبي سيستمر في تقييم مبدأ التكامل، الذي هو لب نظام روما الأساسي، لدى اتخاذنا إجراءات فيما يتصل بالجرائم المـُدّعى ارتكابها المدرجة فيما تقدم وبمرتكبيها المذكورة أسماؤهم وسيرنا قدما في مسارات التحقيق الأخرى. ولكن التكامل لا يتطلب التنازل عن التحقيق للسلطات الوطنية إلا إذا عكفت هذه السلطات على إجراء عمليات قضائية مستقلة ومحايدة لا تحمي المشتبه فيهم وغير مزيفة. ويتطلب ذلك إجراء تحقيقات وافية على جميع المستويات تتناول السياسات والأفعال التي تستند إليها هذه الطلبات.
ولنكن واضحين اليوم بشأن مسألة جوهرية: لو لم نُظهر استعدادنا لتطبيق القانون على قدم المساواة، ولو بدا أنه يُطبق تطبيقا انتقائيا، فإننا سنتيح الظروف المواتية لانهياره. وسنحل بذلك ما بقي من الروابط التي تجمعنا، والصلات التي تثبت الأواصر بين المجتمعات المحلية والأفراد، وشبكة الأمان التي يتطلع إليها كل المجني عليهم في أوقات المعاناة. إن هذه لهي المخاطرة الحقيقية التي نواجهها في هذه اللحظة.
ولا بد من أن نبرهن جميعا الآن، أكثر من أي وقت مضى، على أن القانون الدولي الإنساني، وهو قاعدة الأساس التي يرتكز عليها السلوك الإنساني في خلال النزاعات، ينطبق على كل الأفراد وينطبق بالتساوي عبر جميع الحالات التي يتصدى لها مكتبي والتي تتصدى لها المحكمة. وهذه هي الطريقة التي سنثبت بها إثباتا ملموسا أن كل البشر تتساوى حياتهم في قيمتها.